الجاحظ هو من كبار أئمّة الأدب فهو إمام الأدباء في
العصر العباسي الثاني، وهو أبو عثمان عمرو بن بحر بن محبوب الكناني الليثي بالولاء الذي وُلد في البصرة سنة 159هـ بحسب بعض المؤرّخين، وسُمّي بالجاحظ لجحوظ عينيه، كما عمل جمالاً عند عمرو بن قلع الكناني، ومن صفاته أنّه كان حاد الذكاء، ذا جلدٍ وصرامةٍ وقدرةٍ على الكلام، وبديهة ورأي جيِّد، كما كانت له أساليب ومذاهب وآراء في الأدب واللغة خاصة به، ووضع طريقة بالإنشاء عُرفت باسمه، لذا اعتُبر قدوة المنشئين وإمامهم في ذلك العصر مثلما كان ابن المقفع إمامهم في العصر الأول.[١]للتعرّف أكثر حول سبب تسمية الجاحظ بهذا الاسم يمكن قراءة المقال الآتي: لماذا سمي الجاحظ بهذا الاسم فيديو قد يعجبك: نسب ومولد الجاحظ ينتسب الجاحظ إلى بني كنانة فهو بصريٌّ، وقد نشأ عصامياً معتمداً على نفسه في كسب رزقه، كما أحبّ العلم واللغة والأدب فتعلم على أيدي العلماء البصريين وكان واسع الثقافة والعلم، فجمع مختلف ضروب الثقافة والعلم في زمانه،[٢] أما تاريخ ولادته فلم يحدده المؤرخون بدقة، كما أنّه هو نفسه كان لا يعلم ذلك التاريخ، وقد روى ياقوت أنّه وُلد سنة 150هـ مستنداً إلى خبر للجاحظ نفسه الذي جاء فيه: (أنا أسنّ من أبي نواس بسنة، وُلدت في أول سنة خمسين ومائة وهو ولد في آخرها)، لكن ياقوت الرومي لم يضع إسناداً لهذا الخبر، ومن جهةٍ أخرى فإنّ تاريخ ولادة أبي نواس ليس معروفاً، وقد جعل بعض المؤرخين ولادة الجاحظ سنة 150هـ، أو 159هـ، أو 160هـ، أو 163هـ، أو 164هـ، 165هـ، كما جعل أصحاب التراجم أبا يوسف القاضي المتوفي سنة 182هـ أستاذاً للجاحظ في علم الحديث، أما التاريخ الصحيح المعروف هو تاريخ وفاة الجاحظ وهو سنة 255هـ، وقد حسب المؤرخون عمره مستندين على نكتة زعموا أنّه قالها في أواخر حياته جاء فيها: (والأمر في ذلك أنّي قد جزت التسعين)، وفي خبر آخر: (أنا في هذه العلل المتناقضة التي يتخوّف من بعضها التلف وأعظمها ستة وتسعون سنة).[٣] نشأة وحياة الجاحظ عاش الجاحظ قرابة المئة عام وكان العصر الذي عاش به عصر ازدهارٍ لكافة العلوم العربيّة والإسلاميّة، فقد تبوّأت اللغة العربية مكانة رفيعةً في تلك الفترة، كما نشطت حركة الترجمة والنقل عن الثقافات الأجنبيّة، وقد شهدت الدولة الإسلاميّة أيضًا نهضةً ورقيّاً في كافة ميادين الحياة، ويعود الفضل في ذلك التقدم والازدهار للخلفاء والوزراء، كما انتشرت الأسواق الأدبية التي كانت تُقام فيها حلقات الشعر ويُعرض فيها كلّ جديد في اللغة والأدب مثل سوق المربد.[٢] كان الجاحظ ذكياً جداً وصبوراً على طلب العلم، وقد تتلمذ على أيدي فحول العلم والأدب حينذاك، فقد أخذ اللغة والأدب عن الأصمعي، وأبي عبيدة، وأبي يزيد الأنصاري، والنحو عن الأخفش، والحديث عن حجاج بن محمد، وأبي يوسف صاحب أبي حنيفة، ثمّ تثقف ثقافة الاعتزال وكان أهم أستاذ له في ذلك النظّام، فكان المعتزلة يهتمون بالاطلاع على الديانات الأخرى ومعرفتها جيداً لأنّهم جعلوا من أنفسهم دعاةً للإسلام، وكانوا يعتقدون أنّ عليهم أن يكونوا على معرفة تامة بدينهم وبالديانات الأخرى، فدرسوا الفلسفة اليونانية لأنّ أعدائهم كانوا قد اتخذوها وسيلةً للدعوة إلى دينهم، لذا درسوا ثقافة أرسطو وما فيها عن علم الحيوان، وصبغوها بطابعهم الديني.[٢] كان الجاحظ شديد الولع بالقراءة والمطالعة، حتى أنّه كان يستأجر دكاكين الوراقين ويبيت فيها للقراءة والدراسة، وقد اندمج في الحياة الواقعيّة واستفاد منها، وتنوّعت المواضيع التي درسها وكتب فيها، ومنها الحيوانات والنباتات، وقد كان لاندماج الجاحظ في المجتمع واختلاطه بكافة فئاته ومجالسته للأدباء والشعراء والملوك والأمراء الأثر الواضح في تنمية معرفته وزيادة تجاربه.[٢] علم وثقافة الجاحظ كان الجاحظ في بداياته يعيش حياةً بسيطة، فقد نشأ في طبقةٍ اجتماعيةٍ فقيرةٍ مكتسبًا قوته من عمل يديه، ورغم ذلك فهو لم يترك العلم والمطالعة، فكان يعمل ويتعلم في آنٍ واحد، وكان يحضر الدروس في المسجد، ثمّ اتصل بالشيوخ والأئمة آنذاك وأخذ عنهم كما سبق الذكر، كما خالط أعلام الترجمة والكتابة وقرأ ما تيسر له من الكتب المترجمة أيام المنصور والرشيد والبرامكة والمأمون، ومن الجدير بالذكر أنّ المكتبات العامة لم تكن متوفرة في تلك الفترة أي في أواخر القرن الثاني للهجرة، كما كانت الكتب نادرة وغالية جداً، فلم تكن إمكانيات الجاحظ المادية تسمح له بشرائها، لذا كان يحصل عليها عن طريق أساتذته وأصدقائه الذين كانوا يضعون مكتباتهم تحت تصرفه.[٤] اشتملت ثقافة الجاحظ على كافة العلوم المعروفة في عصره، فدرس المنطق والفلسفة والرياضيات والطبيعيات والسياسة والأخلاق والفراسة، وقد أبدع فيها جميعها، وتكوّنت لديه ثقافة متنوعةٍ وغزيرةٍ، وحين ذاك انتقل إلى بغداد ليزيد من معرفته واطلاعه، ثمّ اتصل فيها بالكبار من رجال الدين وعلماء اللغة.[٤] اعتبر الجاحظ من أغزر المؤلفين إنتاجاً، فكتب عن الأدب والشعر والديانات والعقائد، والإمامة والنبوة، والمذاهب الفلسفية، وبحث في السياسة والاقتصاد والأخلاق وطبائع الأشياء، وتكلم عن العصبية وتأثير البيئة، ونظر في العلوم التاريخية، والجغرافية والطبيعة، فكتب في المدن والأمصار والمعادن وجواهر الأرض، والكيمياء والنبات والحيوان، والطب والفلك، والموسيقى والغناء وكتب في الجواري والغلمان، والعشق والنساء، والنرد والشطرنج، وغير ذلك مما يتناول الحياة الاجتماعيّة والأدبيّة والعلمية في عصره وقبل عصره،[٤] أما عن العلماء والشيوخ الذين أخذ عنهم الجاحظ فقد قال في ذلك أبو الحسن الدهماني: (لا ريب أن للجاحظ علماء وشيوخ، أخذ عنهم العلم في شتى فروعه، فقد سمع من الأصمعي وكان كثير الرواية عنه، وأبو عبيدة عمر بن المثنى، وأبي زيد الأنصاري، وأخذ النحو عن أبي الحسن الأخفش، وكان صديقه، وأخذ الكلام عن النظام، ثم إنه تلقف الفصاحة من العرب شفاهةً بالمربد، وكذلك أخذ عن أستاذ الأصمعي خلف الأحمر، الذي اشتهر برواية الشعر ونحله، وكان الجاحظ معجب بخلف كثيراً، رغم أنّه لم يجالسه إلا قليلاً، فقال الجاحظ في ذلك: (لقد جلست إلى أبي عبيدة، والأصمعي ويحيى بن نجيم، وأبي مالك عمرو بن كركره، مع من جالست من رواة البغداديين، فما رأيت أحداً منهم قصد إلى شعر في النسيب فأنشده، وكان خلف يجمع ذلك كله)، ثمّ إنّ الجاحظ كان قد اكتسب الثقافة اليونانية عن طريق علماء الكلام، وعن طريق مصاحبته لحنين بن إسحق وسلمويه).[٥] نزعة الجاحظ العقليّة امتازت مدينة البصرة في العصر العباسي بنزعتها العقلية في مختلف الميادين، والتي قامت على تحكيم العقل في الأمور مثل أسطورة أو قول مأثور أو عقيدة أو حتى حقيقة، وتقبُّل ما قد يصل إليه العقل حتى وإن خالف هذا ظنه أو اعتقاده، وكان من الطبيعي أن يتأثر الجاحظ بهذه النزعة خاصة مع قابليته الطبيعية المهيئة لذلك نتيجة للظروف البيئية التي عاشها، فقد كان كثير المطالعة والقراءة، محبّاً للاطلاع على كل علمٍ، فلم يكن يقع بين يديه كتاب إلا قرأه.[٢] أبرز مؤلّفات الجاحظ كتب الجاحظ في كافة العلوم وفنون الأدب المعروفة في زمانه، كما أنّ كتبه تجمع بين العلم والفائدة والبراعة في التعبير وسحر البلاغة في الأسلوب، كما يجد القارئ متعة في قراءتها لما فيها من تشويق ونوادر وسخرية، ويقال إنّ الجاحظ هو أول من بدأ التأليف في الأدب وعلى نهجه سار الأدباء والمؤلفون، كما تعتبر مؤلفات الجاحظ التي تعدّ بالمئات مراجع مهمة فلولاها لاندثر الكثير من أدب العرب، وقد وردَ في مقدمة كِتاب التاج أن الجاحظ ترك نحوًا من ثلاثمائة وستين مؤلَّفًا رآها سبط ابن الجوزي كلها تقريبًا في مشهد أبي حنيفة النعمان ببغداد.[٦] أما أبرز مؤلفات الجاحظ فهي كالآتي: